الطائفة الشيعية في السنغال تحيي ليالي العشر الأوائل من شهر محرّم بذكرى استشهاد الإمام حسين حفيد النبي صلعم.

1
1437

الأسباب والدوافع ؛

تقرير ميداني أجراه / محمد الأمين غي (ابن الزهراء) .

◾مناسبة عاشوراء بين أهل السنة والشيعة ؛

يحظى يومُ عاشوراءَ بمكانةٍ خاصةٍ عندَ المسلمين، على اختلافِ طوائفهم ومشاربهم الفكرية.
حيث يعتبر أهل السنة مناسبة عاشوراء يوم للعبادة وٱخرون يوم فرح وسرور .
الاعتبار الأول يتمثل في أنه اليومُ الذي قالَ عنه الرسول صلّى الله عليه وسلم، عندما قَدِم إلى المدينةِ ورأى يهودَها يصومونه: “أنا أحقُّ بموسى منكم”. فصَامَهُ بعدها وأمر بصيامِه. في دلالةٍ على عظمةِ هذا اليوم الذي نجى اللهُ فيهِ سيدنا موسى عليه السلام وقومَه، وأغرقَ فرعون ومَن معه .

أما الاعتبار الثاني يتمثل في أنه عيد للفرح والسرور ولأنه انطلاق للسنة الجديدة القمرية عند الجاهلية مع ربطها بعادات وتقاليد عديدة قد لايسع المجال لذكرها.

أما عاشوراء عند الشيعة فهي ذكرى حزينة وأليمة، ترمز إلى الظلم والاضطهاد الذي تعرّض له حفيد الرسول ، ففي هذا اليوم قتل فيه الإمام الحسين وأهل بيته بعد محصارتهم لمدّة أيّام من قبل جيش يزيد بن معاوية، مُنع خلالها وصول الماء إليهم، فقطع رأس الحسين وسبيت النساء حسبما أوردها المؤرخون القدمى.

▪️وقفة عن التمدد الشيعي في السنغال ؛

لُوحظ خلال السنوات الأخيرة، تزايد عدد كبير من الطائفة الشيعية في السنغال، وذلك يظهر في مناسباتهم الدينية كمناسبة عاشوراء ، و تعددت مراكزهم بشكل مفاجئ ،إلى جانب ذلك تأسسوا مدارس ومساجد تابعة لهم مع انخراطهم في شتى الهيئات والتجمعات الإسلامية في البلاد، وخير دليل على ذلك مقعدهم داخل الإطاري الوحدوي للإسلام ، والتحالف الوطني للقضية الفلسطينية (ANCP) ، والحملة السنغالية للدفاع عن القدس وهيئة الأئمة والدعاة وحركة “ASJ” الوطنية التي تسعى للحفاظ على القيم والمبادئ الدينية والأخلاقية ومحاربة الفواحش في البلاد.
أضف إلى ذلك، الأساليب الدعوية التي اعتمدوا عليها لكسب جمهور من المواطنين السنغاليين ، ومن بينها إقامة علاقة أخوية إسلامية متينة مع البيوتات الدينية بمختلف فئاتهم وعقائدهم، كذلك عن طريق توسيع رقعة التبليغ والدعوة إلى جوانب تربوية تتمثل في المؤسسات والجمعيات التالية :

1-جمعية الكوثر الثقافية في غيجواي .
2-مركز أنوار الأئمة (ع) في تواوون پول (الضاحية بدكار) .
3-جمعية سفينة النجاة لنشر معارف الاسلام .
4- مؤسسة مزدهر الدوليّة في دكار.
5-المجلس الأعلى للشّيعة في السنغال.
6-مجلس علماء أهل البيت وفروعها في السنغال.
كما أن لهم مدارس ومساجد، منها “كلية الزهراء للجالية اللبنانية ومسجد درويس في دكار “Pompier* ،وجامعة المصطفى العالمية في حي مرموز، ودار فاطمة الزهراء في كر مَدار بمنطقة كجور ، وحوزة الرسول الأكرم صلى الله عليه وٱله وسلم في قلب العاصمة دكار ومراكز أخرى داخل الأقاليم والمقاطعات في السنغال .

وفي سياق متصل، يؤكد لنا الأستاذ محمد انياغ -الأمين العام لمجلس علماء أهل البيت – في مقابلة شخصية أجريناها معه ” أنّ مذهبَ أهل البيت عليهم السلام أي الشيعة كما هو معروف لدى العامة قد وضعت بذرتها في السنغال منذ سنوات عديدة، ولكن عُرف بشكل عام ورسمي مع دخول سماحة الشيخ عبد المنعم الزين الخليفة العام لأتباع أهل البيت عليهم السلام في السنغال وأحد كبار زعماء الجالية اللبنانية في البلاد ، والذي دخل السنغال في السبعينات من القرن الماضي بإذن من المرشد اللبناني موسى الصدر ، فقد كانت في الوهلة الأولى صعب جدا بأن يعلن السنغالي تشيّعه أمام الملأ، لاكن ومع مرور الزمن تغيرت الأمور، و لِمذهب الشيعة اقبال كبير من قبل السنغاليين وترحيب لافت لدى كافة البيوتات الدينية وبالأخص الطرق الصوفية التي تعشق أتباعُها أئمة أهل البيت (ع) ” .

ولفت “انياغ” قائلا : ” بفضل جهود الشيخ المنعم الزين حفظه الله ورعاه، تم تأسيس جمعيات كثيرة تابعة للشيعة، وكلها حاصلة على ترخيصات رسمية من الحكومة السنغالية ومن بينها مؤسسة “مجلس علماء أهل البيت عليهم السلام في السنغال” حيث أنا أمينه العام . لعب هذا المجلس دورا كبيرا في نشر تعاليم المذهب الجعفري عن طريق التعليم والتربية، وتم إنشاء مدارس عصرية في كل من إقليم دكار وزيغنشور وكولدا وكولخ وتياس ، كما أن المجلس أيضا يهتم بالقضايا الإنسانية كقضية فلسطين في المقدمة، وقد قام مؤخرا بإنجازات ملموسة منها حفر آبار ارتوازية ومساعدة الأيتام والفقراء والمحتاجين وغيرها من المشاريع الفكرية والمادية ” .

أما فيما يتعلق بعلاقة طائفة الشيعة بالطرق الصوفية والحركات الإسلامية في السنغال ، أفاد الديبلوماسي السابق السيد شريف أبو جعفر امبالو في حديث لدكار نيوز” أن علاقة الشيعة بالطرق الصوفية وبعض الحركات الإسلامية كجماعة عباد الرحمان فهي مبنية على أسس دينية وأخوية، ولنا مكانة مرموقة لدى كافة البيوتات الدينية ، إذ نلبي دعواتهم مع وفود رفيعة المستوى في أكبر المناسبات الدينية كمناسبة “مغال” للطريقة المريدية، و”غامبو ” للطريقة التجانية سواء في تيووان، ،جانسان ، تينيبا وفي كولخ ، ومع الطائفة الاهينية في مناسبة “الدعوة”، والندوات التي تنظمها جماعة عباد الرحمان” .

ومن الجانب السياسي والحركي، يضيف “امبالو” ، انخرطت الشيعة في الحركات الوطنية كأي مواطن سنغالي يتماشى مع الواقع ويرغب الدفاع عن المصالح العامة، ويضيف ” لدينا على مستوى الحكومة إعتراف رسمي، ويؤكد ذلك لقاءنا مع رئيس الجمهورية ماكي صال في يوليو 2017 ، حيث أكد لنا أنه مطمئن، وأعرب عن رغبته في الحفاظ على علاقات ودية مع الطائفة الشيعية في السنغال، ووعد بألا يدخر جهدا، كما هو الحال بالنسبة لجميع الطوائف الدينية في السنغال، في تأييده لكافة المشاريع من أجل سنغال موّحد ومزدهر “.

◾متى بدأت الطائفة الشيعية في السنغال إحياء مناسبة عاشوراء ؟ .

كعادتهم، ومع حلول شهر المحرّم المعظم، تحيي الطائفة الشيعية في العالم بليالي عاشوراء تخليدا بذكرى مقتل الإمام الحسين حفيد المصطفى محمد صلعم الذي قتل في كربلاء في العاشر من شهر محرّم سنة إحدى وستين من الهجرة وله من العمر 56 سنة حسبما ورد في الكتب التاريخية .

وفي السنغال حيث أكّد لنا “امبالو” ،أن أولى مناسبة عاشوراء تمت إحياءها في البلاد تعود تاريخها إلى عام 1990 في غِيجَوَايْ ، حيث كنت مشرفا بها بصفتي المسؤول عن الأعمال في السفارة الإيرانية بدكار وعضو مؤسس لجمعيّة “ٱل ياسين” وبمشاركة عدد كبير من المسلمين المنتمين إلى الطائفة الشيعية ٱنذاك.

◾كيف تحيي الطائفة الشيعية في السنغال مناسبة عاشوراء ؟

في مختلف أرجاء السنغال، يقيم أتباع أهل البيت (ع) بمجالس العزاء والمواساة لٱل النبي تجديدا لعهدهم باستشهاد غريب كربلاء الإمام الحسين بن علي بن طالب كرّم الله وجهه الشّريف، بقراءة الأدعية والأذكار والتوسل عليه، وتنظيم محاضرات لعرض سيرته وخصوصا حادثة كربلاء المروعة التي شهدها التاريخ وتعد من أكبر الفتن بين المسلمين .

ففي مقر مجلس علماء أهل البيت بحي “Point- E” أمام ثانوية بيراغو جوب، يتوافد فيه جمعا غفيرا كل ليالي عاشوراء تخليدا لذكرى استشهاد ثالث أئمتهم وفق معتقد الشيعة الإمامية .

في غضون ذلك ، يقول الشيخ محمد انياغ ” إن مجلس علماء أهل البيت عليهم السلام في السنغال يقوم بإحياء جميع المناسبات الدينية سواء المواليد والوفيات لجميع الأئمة وبالأخص عاشوراء الذي هو ذكرى استشهاد أبي عبد الله الحسين عليه السلام بإقامة محاضرات ومجالس حسينية طوال العشرة الأوائل من المحرم في دكار وزيغنشور وكولدا وكولخ وتياس وفاتيك. ويقوم المجلس بإحياء يوم عاشوراء بتنظيم مؤتمرات علمية، وقد تم عقد مؤتمرين متتاليين في سنتي 2017 و 2018 في قاعة المحاضرات -إكاد 2- في جامعة شيخ أنت جوب بدكار حيث تسع هذه القاعة أكثر من ألف شخص ، كما أعيد تنظيمها في سنة 2019 في غيجواي ، وأما بالنسبة لهذه السنة والماضية يحييها المجلس في المقر تجنبا من انتشار الوباء كوفيد-19 ، واحتراما بتعاليم الأطباء … وخلال هذه الأيام العشرة نقوم بإطعام المساكين والفقراء وتقديم مساعدات إلى الأيتام كهدية للإمام الحسين عليه السلام ” .

وأردف قائلا ” ينظم هذا المجلس بالتنسيق مع جمعية الطلاب والتلاميذ لأتباع أهل البيت عليهم السلام في السنغال في نهار التاسع من المحرّم حملة كبيرة في مختلف المراكز الصحية للتبرع بالدم، وبالتالي نقيم مراسيم عاشوراء في زيغنشور وكولدا وتياس وكولخ وفاتيك وغيرها ” .

من جانبه، تحدث معنا السيد محمد سانتي سابلي ممثل المرجع الديني العراقي الشيخ محمد اليعقوبي في السنغال حول فاجعة كربلاء ، وانعكاساتها الإيجابية لدى الأمة الاسلامية .

ووفقا له ، إنّ مصيبة الإمام الحسين (ع)وما جرى عليه من المصائب والمحن والرزايا من حيث طبيعة الفاجعة والمأساة وطريقة القتل واجتماع جميع المصائب عليه في يوم واحد وساعات معدودة ، وحصاره ومنع وصول الماء إليه واجتماع ذلك العدد من أعدائه لقتله ، وغيرها من الأمور ، مثّلت حالة استثنائيّة في تاريخ البشريّة ، استدعت نوعاً من الإحياء للمناسبة يختلف عن طبيعة الإحياء المطلوب في جميع مناسبات الشخصيّات المقدّسة الأخرى من الأنبياء والأولياء والأصحاب والأنصار .

وذهب “سابلي” إلى تسليط الضوء عن مشاهد العنف والملاحظة خلال مناسبة عاشوراء من قبل الطائفة الشيعة في البلاد المسلمة، حيث يوضّح “أما بالنسبة للتطبير وضرب الظهور بالآلات الحادة والمشي على الجمر ونحوها، فقد وجّهنا أتباعنا ومن يأخذ برأينا إلى تركه والعمل على تجسيد المبادئ والقيم التي تحرَكَ الإمام الحسين (عليه السلام) لإقامتها، وأن يكون تعبيرهم عن إحياء النهضة الحسينية حضارياً؛ لأن العالم أصبح كالقرية الواحدة وقد أُمرنا بأن نخاطب الناس على قدر عقولهم، وهذا الأمر فيه إطلاق شامل للأقوال والأفعال، أي أن لا تكون أفعالنا فوق تحمّلِهم خصوصاً تطبير النساء والأطفال ، وشامل لكل الناس أي للمسلمين وغيرهم” .

يختتم شريف امبالو حديثه معنا أن مناسبة عاشوراء هي تمثل عندهم ثورة دينية وفكرية قام بها الإمام الحسين (ع) أمام الطغاة في عصره للدفاع عن الدين الإلهي ولرفع راية الإسلام المحمدي ، وهي بمثابة حداد عندهم وقد جدوا إعترافا مميزا لدى السلطات السنغالية التي باشرت لأول مرة في العام الماضي ببعث برقية التعازي للطائفة الشيعية في السنغال مع تقديم هدايا خاصة بهم .

ويمكن القول على ضوء ماسبق ؛ تعود الأذهان دائما بمناسبة عاشوراء إلى الحادثة التاريخية المأساوية التي تعرض لها الشهيد الحسين بن علي سبط النبي صلى الله عليه وسلم حيث تقيم طائفة الشيعة في العالم عند ذكرياتها السنوية حسينيات ومجالس العزاء والمواساة لأنها أكبر مناسبة حزينة عندهم ، في حين يصوم أهل السنة على اعتبارها يوم للعبادة في الدلالة على عظمتها .

1 COMMENTAIRE

  1. ما شاء الله تقرير رائع

    لم أكن أعلم بأن طائفة الشيعية وصلت إلى هذه الدرجة من النفوذ والانشار في ربوع البلاد لكن يسرني معرفة ما إذا كانت مبادئهم تهدف إلى سب صحابة الرسول وإذا كان الجواب لا فما موقفهم في من يسبون أصحاب الرسول (ص)
    كنت أنتظر قدوم تلك البيانات في التقرير لكن مع الاسف لم أجد سؤالا موجها إلى هذا الجانب

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici